أدرك تماماً حجم مأساة المؤلفين الشباب العرب ، و أرى بعينى إنها ليست أزمتى وحدى ، بل أزمة الآلاف غيرى فى الدول العربية .
فنحن بإختصار نحتاج لناشرين عرب مجازفين مغامرين مراهنين مثل الناشرين الأجانب الذين لا مانع لديهم على الإطلاق من نشر أعمال أدباء مغمورين مبتدئين .. نحن نحتاج إلى رعاة مواهب .. نحتاج إلى صناع نجوم .. كفلاء مالياً و معنوياً و دعائياً .. نحتاج مشروع (الكتابة للجميع) بجوار مشروع (القراءة للجميع) .
لذا ، يبدو إننى سأتحول إلى ندابة (المحترفة التى تستأجر فى المأتم للندب على الميت) ، و سأقلب مدونتى الألكترونية إلى مندبة ألكترونية أو حائط مبكى أندب عليه حظى و حظ آلاف غيرى كتب عليهم أن يعيشوا فى بقعة من الكرة الأرضية تسمى (الوطن العربى) .
لقد تراجعت للأسف فى أخر لحظة عن نشر أياً من أعمالى على مدونتى الخاصة ، حتى الأعمال الساذجة المكتوبة منذ الطفولة ، رغم إنها جميعها مبيضة على الكمبيوتر و جاهزة للنشر الفورى فى أى لحظة بضغطة زر واحدة .
لكننى ترددت كثيراً فى النشر ، ليس لأن من عيوب المدونات القاتلة أنها لا تحمى حقوق الملكية الفكرية للمؤلف من السرقة و الإقتباس فقط ، بل لأنها أيضاً ليست حل جذرى و قاطع لمشكلة النشر الأزلية فى العالم العربى ، فماذا بعد النشر الإلكترونى ؟! هل سأكتفى به ؟! هل سيشبع طموحى ؟! بالطبع لا .. سأسعى دائماً للنشر الورقى حتى أخر نفس فى صدرى .
أعزائى شركائى فى هذه المشكلة المستفحلة ..
نعلم جيداً أن الكتابة فى حد ذاتها أهم من النشر بمراحل ، و أن طرح الأفكار على الورق أفضل بكثير من الإحتفاظ بها فى العقل ، فالكتابة نفسها تخرج مكنونات صدورنا و تريح أعصابنا من التوتر ، و السطور تحدد شخصية صاحبها أفضل من أعظم طبيب نفسانى فى العالم ، لكننا لسنا رهبان الأدب ، و لا نكتب لأنفسنا كى نقرأ عليها ما تعرفه مسبقاً ، و لا يوجد كاتب يتحمل أن يظل يكتب و يكتب دون أن ينشر نتاجه الأدبى و يقرأه الناس ، فنحن لا نكتب من أجل راحة عقولنا و أذهاننا فقط ، بل نكتب كى نوصل أفكارنا المكتوبة هذه و نترجمها على الورق للمحيطين بنا ، أما النشر فى حد ذاته ، فهو أهم من الشهرة و تداول تلك الأعمال المنشورة .
و الشئ بالشئ يذكر ، فإن الشهرة و شعبية الكاتب و النجاح الجماهيرى أهم أيضاً من الجوائز الأدبية ، و جائزة نوبل نفسها ليست المعيار الوحيد لإمتياز الأعمال الأدبية و جودتها ، بل العديد من الكتاب البارزين لم يحصلوا على هذه الجائزة ، و لم يرشحوا حتى لها .
لقد فكرت كثيراً فى ترجمة إحدى رواياتى إلى الإنجليزية بنفسى و إرسالها إلى ناشر أجنبى ، لكننى للأسف مازلت مقتنعة أن الوصول إلى العالمية يأتى من النجاح أولاً بين أبناء بلدنا و بلغتنا العربية الأم ، فلابد أن نكف عن نظرية عقدة الخواجة و نجبر هؤلاء الخواجات أن يتعلموا لغتنا العربية كى يقرءوا الروايات العربية بلغتها الأصلية ، فكى تفهم المكتوب جيداً لابد أن تقرأه باللغة التى كتب بها ، كما وجدت إن الترجمة ستهدر جزء كبير من وقتى و تعطلنى عن كتابة أفكارى القادمة – و ما أكثرها – بلغتى الأم .
و قد فكرت ذات مرة فى طبع عدة نسخ من أى رواية لىّ "نسخات كمبيوتر" و بيعها على الرصيف بواسطة بائع الجرائد الذى أتعامل معه ، لكننى خشيت عليها من السرقة و الإقتباس لأنها بلا أرقام إيداع قانونى و غير مسجلة فى الشهر العقارى .
و لا عزاء للموهوبين .. سعيكم مشكور ،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق